فرض التقدّم التكنولوجيّ المقترن بالنمو السكانيّ ازدياد الطلب على الطاقة سنوياً، ما جعل تعزيز كفاءة الطاقة في المباني ضرورةً مُلحّةً في سياسات الطاقة العالمية؛ بهدف تقليل استخدام الكهرباء من خلال وضع قيودٍ على مواصفات التصميم وتشييد الأبنية القائمة على الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المستدامة. حيث أصبحت فكرة الأبنية صفرية الطاقة شائعةً؛ بسبب المخاوف البيئية المتزايدة كتغيّر المناخ والتلوث ونضوب الموارد الطبيعية.
تتعرَّف في مقال اليوم على مفهوم الأبنية صفريّة الطاقة، وما إمكانيات واستراتيجات تحويل الأبنية التقليدية إلى أخرى أكثر كفاءة، وأخيراً دورها في قطاع الطاقات في الأردن.
الأبنية صفريّة الطاقة Zero Energy Buildings
الأبنية الصفريّة هي أبنية مُصمَّمة على مبدأ تحقيق التوازن بين الطاقة المُستهلكة والطاقة المولَّدة للبناء، من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجدّدة في توليد الكهرباء وتعويض معظم أو كامل الاستخدام الطاقيّ السنويّ،
تتصل الأبنية صفريّة الطاقة بالشبكة الكهربائيّة، إذ يمكن بيع الفائض من الطاقة المنتجة لها، أو استجرار طاقة منها عند الحاجة.
لماذا نحتاج إلى مباني خاليةٍ من الطاقة؟
يعدّ تشييد المباني والمنازل صفريّة الطاقة الاستراتيجية الأكثر فعالية في المستقبل، انطلاقاً من الفوائد التي تعود بها على مستوى الدولة والأفراد.
إليك أهم 4 فوائد:
- إلغاء الحاجة إلى محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوريّ.
- الحدّ من تغيرات المناخ وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
- جعل مخزون البناء أكثر مرونة من خلال استخدام أنظمة مستدامة وسلبية.
- إنشاء مبانٍ صحية ومريحة تساعد على تقليل تكاليف الرعاية الصحية وتحسين المستوى العام للدولة والأفراد.
اقرأ أيضاً مشاريع الطاقة المتجددة في الأردن: التمويل والتحديات
أهم استراتيجيات تحويل الأبنية التقليدية إلى أبنية صفريّة الطاقة
ما رأيك أن تبدأ التفكير في تحويل منزلك والبناء الذي تعيش فيه ليكون صفريّ الطاقة، وترتاح من أعباء الفواتير؟ نستعرض لك في هذه الفقرة أهم الاستراتيجيات التي عليكَ مراعاتها في تصميم منزلك وتحويله إلى بناءٍ ذي كفاءة طاقيّة:
1- الحدّ من البصمة الكربونية لمواد البناء
في هذه الخطوة، لا تنفع الطرق التقليدية في البناء إلى خفض البصمة الكربونية لمواد البناء، وإنما أنت بحاجة إلى اعتماد إحدى الطرق الحديثة في مجال البناء مثل: التصنيع المسبق، أو التصميم الافتراضيّ، أو البناء المعياريّ.
إذ تتيح لك هذه الطرق اختبار جدوى البناء من هذه الناحية من خلال تنفيذ الخطوة الأولى للبناء في بيئة خاضعة للرقابة من أجل اكتشاف المشكلات، وتفاديها عند التنفيذ النهائيّ.
2- الإضاءة
كلما كان البناء مُعرَّضاً لأشعة الشمس تتغلغل في جميع مساحاته، زادت احتمالية كونه صفريّ الطاقة: يعني ذلك أنك يمكنك تزويده بنظام إضاءةٍ مستشعرٍ عالي التقنية؛ لضبط ناتج الضوء الصناعي بناءً على كمية الإضاءة النهاريّة الموجودة. يمكنك استخدام الدايود الباعث للضوء LED، الذي أصبح معياراً أساسياً في زيادة تحقيق كفاءة استخدام الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
3- مصدر طاقة بديل
اختر واحدة من مصادر الطاقة المتجدّدة، بما يتماشى مع ظروف البناء ومنزلك لتعتمد عليها بصورة رئيسة في إنتاج احتياجاتك من الطاقة؛ حتى تجعله صفريّ الطاقة، فأنت تحتاج إلى اعتماد الطاقة المتجدّدة بديلاً للطاقة التقليدية من أجل تحقيق التوازن المطلوب بين حجم الطاقة التي تحتاج إلى استهلاكها والطاقة التي تنتجها، الأمر الذي لا تحققه لك مرافق الشبكة الكهربائية التقليدية.
4- الطاقة الشمسيّة السلبيّة
تشير الطاقة الشمسيّة السلبيّة إلى قدرة المبنى على جمع الطاقة وتخزينها وتوزيعها بشكلٍ طبيعيٍ بحسب الحاجة. إذ توفّر الشمس ضوءاً طبيعياً يساعد في الاستفادة من الطاقة الشمسيّة شتاءً لتدفئة المبنى، ما يجعل من الضروري الاهتمام باتجاهات البناء، والنوافذ، والأبواب؛ واستخدام مكونات عزلٍ عالية الأداء تقلّل من أحمال الطاقة بشكل أكبر.
5- التصميم العازل
يعمل العزل الفائق على جعل منزلك محكم الإغلاق قدر الإمكان عن طريق إضافة عوازل متعددة عالية الأداء إلى الهيكل التقليدي للبناء، كالقوالب الخرسانية المعزولة ICFs أو باستخدام الألواح الهيكلية المعزولة SIPs التي تُغني عن الجسور الحراريّة، مع الحفاظ على هيكل البناء بالشكل المطلوب.
6- أنظمة إدارة الطاقة الذكيّة EMS
عليك إدخال التكنولوجيا إلى منزلك أو البناء الذي تقطن فيه حتى تزيد من مرونته، و من قدرتك على التحكُّم فيه. فأنظمة إدارة الطاقة هي أنظمة ذكيّة، تُطفئ الأجهزة الإلكترونية عند عدم الحاجة إليها، وتساعد في ضبط درجة حرارة الغرف بمساعدة حسّاسات حرارة توضع داخلها، بالإضافة إلى ذلك، تضبط الإضاءة بحسب كمية الضوء الطبيعي الداخل من النوافذ، وتساعد أيضاً في تقليل البصمة الكربونية من خلال برامج تقلل من استخدام الكهرباء خلال فترات الذروة.
كيفية تحويل الأبنية إلى الطاقة المتجدّدة بشكل تدريجيّ ومدروس؟
لا يقتصر مفهوم صافي الانبعاثات الصفريّ على الأبنية الجديدة، بل يمكن إدخال تحديثات على المباني التقليدية أيضاً، باتباع الخطوات ذاتها في تصميم الأبنية الصفريّة الحديثة.
يتضمن التحويل إلى نظام الطاقة المتجدّدة في الأبنية الجوانب التالية:
اقرأ أيضاً تأثير الطاقات المتجددة على كفاءة الطاقة
1- تحليل أحمال الكهرباء الخاصّة بالبناء
يتمثّل هذا الجانب في تسجيل القوة الكهربائية، ومتوسط الاستخدام اليومي لجميع الأجهزة الكهربائية الموصولة بشبكة الكهرباء المنزلية.
فالتفكير في تدابير كفاءة الطاقة في البناء قبل شراء نظام الطاقة المتجدّدة المناسب، يقلل من الاستهلاك الكهربائيّ، ويسمح بشراء نظامٍ أقل تكلفة.
2- القوانين المحليّة
تحظر في بعض الأحيان القوانين واللوائح المحليّة استخدام أنظمة الطاقة المتجدّدة لأسباب جماليّة، أو للتحكّم في الضوضاء. ومع ذلك، فقد تدعم بعض اللوائح أنظمة الطاقة المتجدّدة؛ لذلك عليك التواصل مع الجهة المسؤولة للحصول على التفاصيل قبل البدء بعملية التحويل.
3- نظام متّصل بالشبكة أو مستقلّ
تنقسم أنظمة الاتصال بالشبكة الكهربائية المركزيّة إلى نوعين رئيسين:
1- أنظمة متّصلة بالشبكة:
تسمح هذه الأنظمة ببيع الفائض من الطاقة المُنتجة إلى مزوّد الطاقة، وقد تتطلب منك بعض التجهيزات الإضافية مثل: معدّات تكييف الطاقة، ومعدّات السلامة، والعدّادات والأجهزة التي تسمّى جميعها ب “توازن النظام” من أجل نقل الكهرباء إلى أحمالك بطريقة آمنة، وتحقيق اتصال صحيح بالشبكة.
2- أنظمة مستقلّة:
تشتمل مكونات توازن النظام في هذا النوع على البطاريات، ووحدة التحكم في الشحن، بالإضافة إلى معدّات تكييف الطاقة، ومعدّات السلامة والعدادات والأجهزة.
4- تحديث تصميم المنزل
تشمل التحديثات على تحسين مستويات العزل الحالية؛ لتتجاوز معايير الكود، وتوجيه النوافذ للعمل مع الشمس، وإعادة تصميم أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء لرفع كفاءتها. مع العلم أن اختيار المصدر الأنسب من الطاقة النظيفة لتزويد المبنى بالطاقة لا يؤثر أبداً على شكل تصميم المبنى من الخارج والعكس صحيح.
5- اختيار تكنولوجيا الطاقة المتجدّدة المناسبة
يتطلب اختيار النظام الكهربائي الصغير المتجدّد المناسب فهماً جيداً لكيفية عمل كل تقنية مُستحدمة على حدة، إذ تشمل:
- الأنظمة الكهربائية الشمسية الصغيرة توفّر أنظمة الخلايا الكهروضوئية الصغيرة مصدر طاقة فعَّالاً من حيث الكلفة في المواقع التي يكون فيها إرسال الكهرباء عبر خطوط الطاقة التقليدية مُكلفاً أو مستحيلاً.
- أنظمة طاقة الرياح الصغيرة تعدّ أنظمة طاقة الرياح الصغيرة واحدة من أكثر أنظمة الطاقة المتجدّدة المنزلية فعالية من حيث الكلفة.
- أنظمة الطاقة الكهرومائية الدقيقة تولّد أنظمة الطاقة الكهرومائية الصغيرة ما يصل إلى 100 كيلوواط من الكهرباء، على الرغم من أن نظام 10 كيلووات يمكن أن يوفّر طاقة كافية لمنزل كبير أو منتجَع صغير.
الكلفة الاقتصادية للأبنية صفريّة الطاقة
تفوق تكلفة إنشاء الأبنية صفريّة الطاقة كلفة إنشاء الأبنية العادية، ويرجع ذلك إلى التقنيات المتطورة المًستخدمة، والمتطلبات الإضافية الخاصة بهذا النوع من المباني،
فبحسب دراسة أجراها معهد (Rocky Mountain Institute (RMI، تتجاوز كلفة البناء صفريّ الطاقة كلفة إنشاء البناء التقليدي بنحو 7.3%، ولكنها استثمار رابح للمستقبل من ناحية أنها مصمَّمة من أجل توفير فواتير الطاقة على المدى البعيد، بمعنى آخر، يمكن استعادة تكلفة البناء بالكامل خلال مدة تتراوح بين 7.8 إلى 13.8 سنوات من التوفير في الفواتير وفق الدراسة ذاتها.
كما وأن التكاليف والفوائد المالية لتحديث تصميمات المنازل التقليدية، وتحويلها إلى صافي صفر للطاقة بزيادة قدرها ما بين 6 و 11٪ تضاف إلى تكاليف البناء، مع خفض تكاليف الطاقة السنوية بحوالي 88٪ ما يعادل 1750 دولار سنوياً وفق دراسة أخرى لمركز البحوث التعاونيّة الأسترالي Low Carbon Living Collaborative في عام 2019؛
إذ يعود سبب التوفير الكبير إلى جوانب العزل الإضافي، وزيادة التظليل، واستخدام الأجهزة والتكنولجيا الموفرة للطاقة. يُعدّ تأهيــل غــلاف المبنــى و الخــواص الحراريــة للمــواد عامــلاً أساسياً ُيؤثــّر علــى كميــة استهلاك الطاقــة. ويعــرِض الجــدول أدنــاه قيمــاً لمعــدل الطاقــة اللازمــة للتدفئــة والتبريــد فــي منــزل عائلــيّ ذي خصائــص حراريــة وعــزل مختلــف، والتــي تــؤدّي لاختلاف فــي أحمــال التدفئــة والتبريــد. تســتهلك المنــازل الموفّــرة للطاقــة والمحكمــة الإغلاق مــا يقــلّ عــن 15 كيلــو واط/ متر المربع مــن الطاقــة اللازمــة للتدفئــة أو التبريــد ســنوياً.
كيف تساعد المنازل صفريّة الطاقة قطاع الطاقات في الأردن
تعدّ المباني جزءاً من مشكلة القطاع الطاقيّ في الأردن، إذ إنّها تعدّ ذات استهلاك مرتفع للطاقة في جميع مراحلها، بدءاً من التصميــم حتى مرحلة إشغال المبنى وصيانته.
تشغل الأبنية الحيّز الأكبر من استهلاك الطاقة في الأردن، فقد بلغت كميـة الكهربـاء المُنتجة فــي 2017 نحو 20760 جيغا واط/ ســاعة بنمــو قــدره 7 % مقارنــةً بعام 2016 فــي مقابل الطاقة المستهلَكة فقد بلغت الطاقــة الكهربائيــة المستهلكة فــي نفــس الفتـرة 17574 جيغا واط .ســاعة، مسجلةً نمــوّاً بنسبة تصـل إلـى 5 %مقارنة بعام 2016.
وكان من أحد الإجراءات المُتّخذة في حل تحديات قطاع الطاقة أن انضم المجلس الأردنيّ للأبنية الخضراء إلى المشروع العالميّ الطويل الأمد الذي أطلقه المجلس العالميّ للأبنية الخضراء.
واتخذّ الأردن بعض الإجراءات في سبيل تحقيق الكفاءة الطاقية في المباني السكنية فيها، من أهمها:
- تطوير معيار استهلاك الطاقة في المباني السكنية، وفهم أنماط الاستهلاك في تحديد التحديات والمشاكل المتعلقة بالمباني.
- وضع الاستراتيجيات والمعايير لاتخاذها والالتزام بها عند تصميم المباني السكنية، أو إعادة تأهيلها من أجل خفض استهلاك الطاقة، والتوفير في فواتير الكهرباء.
ختاماً، على الرغم من حداثة ظهور فكرة الأبنية المكتفية بالطاقة ذاتياً، إلا أنها أصبحت هدفاً طموحاً تعمل الدول على تحقيقه بصورة متسارعة، وتكتسب زخماً يوماً بعد يوم على مستوى العالم، ما أدى إلى توسّعها لتشمل المنظمات والشركات والمؤسسات على اختلافها. والآن، ما رأيك بهذا المفهوم الجديد؟، وهل تجده خطوة عملية في عملية التحوّل الطاقيّ للوصول إلى مستقبلٍ أخضرٍ مستدام؟ شاركنا رأيك في التعليقات.
المصادر
5 Strategies to Consider to Achieve a Net Zero Building (NZB)