بدأت نذر أزمة الطاقة تلوح في أفق الدول الأوروبيّة مع اندلاع الحرب الأوكرانية، فقد أدّت الحرب لانعكاسات مباشرة على سياسات روسيا الطاقية المورِّد الأساسيّ للنفط والغاز إلى أوروبا؛ ما دفع أوروبا إلى إجراء تغييرات على سياستها المتعلّقة بالطاقة النظيفة، وزيادة معدّل الاستثمارات فيها.
ولكن يبقى السؤال الأهم: أتكون الحرب الأوكرانية حافزاً يدفع إلى تحوّلٍ طاقيٍّ سريعٍ أم سبباً للدخول في حالة عدم استقرار اقتصاديّ ومناخيّ طويل الأمد؟
نغطّي في هذا المقال عدّة نقاطٍ بشأن تأثير الحرب الأوكرانية على الاستثمار في الطاقات المتجدّدة في منطقة الاتحاد الأوروبيّ، والخطوات الفعليّة التي اتّخذتها الدول الأوروبية لتسريع عجلة التحوّل إلى الطاقة النظيفة؟
اقرأ أيضاً الدليل الكامل لمصادر واستخدامات الطاقة المتجددة في 2022
أزمة الطاقة الحالية وبدء التفكير بالحلول
تصدّر الاتّحاد الأوروبيّ قائمة المستثمرين في الطاقة المتجدّدة في عام 2011، ليتراجع مع ارتفاع اعتماده على واردات النفط والغاز الروسيّة بحلول عام 2013. وقد ظلّت فكرة الوصول إلى مرحلة “الحرية الطاقيّة” بحلول عام 2050 هدفاً نظرياً بالنسبة إلى معظم الدول الأوروبيّة، إلى أن اندلعت الحرب الأوكرانية التي كانت السبب الأبرز في التفكير جدّياً باتخاذ خطوات فعليّة لأغراض حلّ مشكلة الأمن الطاقيّ، والتوجّه الفعليّ إلى توليد الطاقة من مصادر الطاقات المتجدّدة، وقد حُدّدت المشكلة في 3 عوامل رئيسة:
- الاعتماد على الوقود الأحفوريّ.
- الاعتماد على مورد واحد للطاقة.
- التكلفة العالية.
كما اتُخذت خطواتٌ عملية في مجال الطاقة المتجدّدة على مستوى الدول الأوروبيّة، من حيث بناء محطات الغاز الطبيعي المسال، وتنويع مصادر توريد الوقود.
اقرأ أيضاً التكنولوجيا النظيفة الطريق إلى المستقبل 2022
إيجابيات وسلبيات الحرب الأوكرانية في التوجّه الأوروبيّ للطاقات المتجدّدة
لم يدخل التوجّه الأوروبيّ في الاعتماد على الطاقات النظيفة حيز التنفيذ إلا كنتيجة للحرب الأوكرانيّة والتهديدات التي سبقت الحرب، أي أن حرب دونباس انعكست بشكل إيجابي على واقع الطاقة النظيفة في القارة الأوروبية من خلال:
- إطلاق سياسات جديدة حول المناخ والطاقة، تركّز في مجملها على النشر السريع لتقنيات الطاقة المتجدّدة، وعلى التخلّص التدريجيّ السريع أيضاً من استخدام الطاقة الأحفورية.
- تنظيم القطاع الماليّ، وتوجيه الاستثمارات العالمية الناشئة نحو الاستدامة، ودعم استخدام محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بواسطة الغاز الطبيعي المسال.
- تسريع عملية الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجدّدة.
ولكن بالطبع لم تقتصر انعكاسات الحرب على الإيجابيات، بل تسبّبت في حدوث العديد من المشكلات نذكر منها:
- ارتفاع معدل استخدام الفحم على مستوى العالم إلى مستويات قياسيّة، تسبّبت في ارتفاع الانبعاثات التي تجاوزت 80% على مستوى العالم، بحسب مؤتمر COP26.
- انخفاض عدد منشآت الطاقة النظيفة إلى ما دون المستويات المطلوبة للوصول إلى عالمٍ أخضر.
- تصاعد في أسعار الطاقة نتج عنه تفاقم التضخّم.
- عجز أوروبا عن تعويض التضخّم المفاجئ في الغاز، باستخدام مصادر الطاقة المتجدّدة.
- تعطّل سلاسل التوريد العالمية.
ألمانيا وسويسرا على رأس قائمة المستثمرين في الطاقات المتجددة
سارعت سويسرا – كنموذج أوروبيّ – إلى توفير التسهيلات اللازمة لخلق البيئة المناسبة للاستثمارات في الطاقة النظيفة؛ بهدف التقليل التدريجيّ من الوقود الأحفوريّ، وصولاً إلى التوقّف عن استخدامه بالكامل.
كما وضعت ألمانيا نصب عينيها هدف التحرر من قيد الطاقة الأحفورية المفروض عليها بالاعتماد على الطاقات النظيفة، ومن خلال خفض اعتمادها على واردات الطاقة الروسيّة – على الرغم من حاجتها إلى الاعتماد على الغاز والنفط الروسيّ على المدى القصير عبر تسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجدّدة، والوصول إلى الطاقة النظيفة بنسبة 100% بحلول عام 2035.
من الجدير بالذكر أن توجه ألمانيا للطاقات المتجددة ينطلق من وضع المسألة البيئية كأولوية عليا؛ فعلى الرغم من اعتمادها على الطاقة النووية في توليد الطاقة لفترة من الزمن وقدرتها على إرجاع تفعيل مفاعلاتها النووية بعد قرار إيقافها؛ تفاديا لأزمة الطاقة إلا أنها ترفض هذا الخيار، وتستعيض عن ذلك بالغاز الروسي بالتوازي مع الاستثمار بالطاقات المتجددة حتى تصل إلى تحقيق أمانها الطاقي منها بصورة كاملة.
الخطوات العملية للاتحاد الأوروبي في سبيل التحوّل إلى الطاقة النظيفة
يسعى الاتّحاد الأوروبيّ إلى الانتقال بشكل كامل إلى الطاقات منخفضة الكربون، وتعزيز الابتكار وكفاءة عمل المركبات والآلات لتقليل استهلاكها الطاقي، ودعم البلدان النامية في بناء صناعاتها الخضراء الخاصّة بها، كالدعم الألماني في إنشاء أكاديمية الطاقة الألمانية في الأردن
في السياق ذاته، يجري العمل على زيادة إنتاج الطاقات المتجدّدة، والتخلص التدريجيّ من الوقود الأحفوري (بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال LNG )، وإجراء تحسينات في كفاءة الطاقة في جميع القطاعات والصناعات. مع الأخذ بعين الاعتبار، عدم اتخاذ أي تدابير من شأنها أن تعيق عملية التحوّل الأخضر، أو تخلق قيوداً لا تتوافق معه، بل تسعى إلى تحقيق شراكات حقيقية بين دول الاتحاد في مجال الطاقات المتجدّدة.
نشرت المفوضية الأوروبيّة تقريراً بعنوان (REPowerEU) يحثّ الدول على التعاون من أجل طاقة أكثر أماناً واستدامة من خلال تطبيق إجراءات جديدة؛ لزيادة إنتاج الطاقة الخضراء وتنويع الإمدادات، وتقليل الطلب الأساسي على الغاز، والعمل على الحدّ من ارتفاع أسعار الطاقة من خلال تقليل حجم طلب الاتحاد الأوروبيّ للغاز الروسيّ.
المشكلة التي تواجه التحوّل الطاقي في ظل الحرب الأوكرانية
شهدت الحرب الأوكرانية طلباً متزايداً على الفحم والوقود الأحفوريّ، ترافق مع ارتفاع الحاجة إلى الكهرباء، في المقابل سجّل الاستثمار في الطاقات المتجدّدة كالشمس والرياح تراجعاً ملحوظاً، وضع أوروبا أمام مشكلة تتمثّل في أنها غير قادرة على سدّ حاجتها من الطاقة المتولّدة من المصادر المتجدّدة، واستمرار اعتمادها على الاستيراد لسدّ تلك الحاجة. وذلك يعني غياب التنفيذ الصحيح لتحقيق آلية التحوّل بالشكل الأمثل. تعدّ هذه المشكلة طبيعية كفترة انتقالية، تتطلّب تركيزاً واهتماماً أكبر، على اعتبار أنّ الأمر أصبح حالة طارئة تستدعي الحلّ السريع والجذريّ.
ختاماً، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تقليص وارداته من الوقود الأحفوريّ الروسيّ في أسرع وقت ممكن، مع الحد من آثار ارتفاع أسعار الغاز على المدى القصير، دون أن تدّخر جهداً في التحوّل التدريجيّ إلى الطاقة المتجدّدة وصولاً إلى الانتقال الكامل إلى الطاقة النظيفة.
روابط خارجية
6 ways Russia’s invasion of Ukraine has reshaped the energy world