لماذا تعدّ ألمانيا من الدول الرائدة في مجال الطاقات المتجددة؟ وما دورها في دعم هذا التوجّه والاستثمارات التي بدأت بشأنها في منطقتنا العربيّة؟
يضيء هذا المقال على دور ألمانيا في التوجّه العالمي للطاقة النظيفة، ويفسّر احتلالها للصدارة عندما يُذكر اسم الطاقات المتجددة، ويبين دورها في دعم هذا التوجّه في الدول العربيّة.
اهتمام ألمانيا بمجال الطاقات المتجدّدة
بدأ اهتمام ألمانيا بالطاقة المتجددة والاستثمار فيها منذ عام 2000، مع إصدار قانون موارد الطاقات المتجددة the Renewable Energy Sources Act، ولطالما عُدَّت ألمانيا من الدول الرائدة في مجال الطاقات البديلة والاستثمار في التكنولوجيات البيئية، وبلغ الأمر في عام 2019 أنّ 46% من كهرباء البلاد قادمٌ من مصادر متجدّدة نظيفة، تتصدّرها مزارع الرياح البحرية والبرية بنسبة 24.4%، ثم الطاقة الشمسية 9%، يليها الكتلةالحيوية 8.7%، وما تبقى من الطاقة المائيّة. انقر الرابط لمعلومات أكثر
ومن المتوقّع أن تصل حصة الطاقات البديلة في توليد الطاقة الألمانية إلى 65% بحلول عام 2030. وحتى ذلك الحين، ستبقى ألمانيا معتمدة على الوقود الأحفوري، وخاصة الغاز الطبيعي.
التعاون والتنسيق العربي الألماني في مجال الطاقات المتجددة
تنتهج المنطقة العربية استراتيجيات طويلة الأمد قائمة على تنويع مواردها من الطاقة، وزيادة كفاءة الطاقة لديها، تلبيةً للطلب المتزايد على الطاقة في معظم البلدان العربية؛ ولذلك تعمل على زيادة حصتها من الطاقات النظيفة.
ولمَّا كانت ألمانيا ذات سمعةٍ طيِّبةٍ في مجال الطاقات النظيفة، ونظراً لاهتمامها الكبير في التوسّع فيه، تمتلك فرصةً كبيرةً في إقامة شراكاتٍ وتعاوناتٍ دوليةٍ، لا سيَّما أنها تعاني من قلة الموارد من الطاقة، وتعتمد على استيراد الطاقة لتلبية احتياجاتها. وتعدّ الدول العربية شريكاً استراتيجياً مثالياً يُلبّي لها حاجتها من الطاقة؛ بسبب غناها من مصادر الطاقة المتجدّدة، نتيجة موقعها المتميّز وطبيعتها الجغرافية.
ولذلك كانت الشراكات والتحالفات التي عُقدت بين ألمانيا والدول العربية في مجال الطاقة، وبصورةٍ خاصة الهيدروجين الذي تحتاج إليه في مشاريع الطاقة الكهرومائية، ولا تنتج كفايتها منه، بل تعمل على استيراده.
ففي عام 2022، عُقد ملتقى الطاقة الألماني، بهدف مناقشة التحديات وفرص الاستثمار المستقبلية المشتركة في ألمانيا والمنطقة العربية، وتعزيز أشكال التعاون والتنسيق بينهما في مجال التحول الطاقي. وأُقيمت علاقة تعاون وشراكة في مجال الطاقات النظيفة والمستدامة بين الحكومتين الألمانية والأردنية، حيث نُفِّذت العديد من الشركات الألمانية مشاريع في الطاقات البديلة داخل المملكة، وأنشأت في الآونة الأخيرة ضمن شراكة مع الحكومة الأردنية أكاديمية الطاقة المتجددة في الأردن؛ بهدف تدريب وإعداد مهندسين وفنيين مختصين في مجال الطاقة المتجددة، من خلال عدد كبير من البرامج التدريبية والدورات العملية في هذا المجال.
ولكن واحدة من العقبات الرئيسة لتحقيق المستوى المطلوب من الاستثمارات في الطاقة المتجددة في المنطقة العربية، هو أن النظرة للطاقات المتجدّدة ما تزال محصورة كتقنية مساعدة، وأنّها تشكّل إضافة إلى أنظمة الطاقة التقليدية، ولا يُنظر إليها كمصدر رئيسي للطاقة.
لماذا تميّزت ألمانيا في مجال الطاقات المتجددة
كانت ألمانيا جدية في قرار التحول الطاقي، وأعطته أولوية أساسية في هدف الحكومة الألمانية. رغبة في تحقيق مستقبل ناجح آمن بيئياً واقتصادياً. وسعياً إلى الوصول إلى 80% من الطاقة الكهربائية من الطاقات المتجدّدة بحلول عام ،2045 مع الإغلاق التدريجيّ لمحطات الطاقة النووية بدءاً من عام 2000.
تكتسب ألمانيا مكانة مميزة في مجال الطاقات المتجددة، ويمكن تلخيص أهم النقاط التي تميّز ألمانيا في مجال الطاقة المتجدّدة، والتي تأتي تحت عنوان العمل والتطبيق:
- تقليص حجم الواردات النفطية.
- ترشيد استهلاك الطاقة.
- إصدار قانون ملزم بحماية المناخ.
- إصدار قانون الطاقات المتجدّدة.
إحصائيات 2022 عن الطاقات المتجدّدة في ألمانيا
- ازدادت حصة مصادر الطاقات البديلة في الاستهلاك الكهربائي في ألمانيا خلال السنوات الماضية من 6% عام 2000 إلى ما يزيد عن 45% في عام 2022.
- تطمح الحكومة الألمانية إلى زيادة هذه الحصة، وتهدف إلى الوصول إلى توليد كهرباء نظيفة صفرية الانبعاثات الكيماوية بحلول عام 2045.
- حدّدت الحكومة الألمانية تقليل انبعاثات غاز الدفيئة بنسبة 65% بحلول عام 2030 إضافة إلى ضرورة الوصول إلى حالة الحياد المناخي الكامل بحلول عام 2045؛ لذلك فالحكومة الألمانية تدرج حماية المناخ كأولوية لها.
- يفرض زيادة حصة مصادر الطاقات المتجددة في توليد الكهرباء الألمانية تحديات جديدة، أبرزها محطات الكهرباء في البلاد. تظهر مع الحاجة في بعض الأحيان إلى نقل الكهرباء المولّدة إلى مسافات طويلة جداً؛ الأمر الذي أدركت الحكومة الألمانية أهميته، وعملت بالتوازي على كلا الجانبين بتوسيع القدرة الاستيعابية لكليهما، وتحقيق أعلى مستويات الربط بين محطات الطاقات المتجدّدة ومحطات الكهرباء، وذلك باستخدام أحدث التقنيات والتكنولوجيا.
التحوّل الطاقيّ في ألمانيا من المنظور الدوليّ
امتلكت ألمانيا دورٌ مؤثّرٌ وفعّالٌ على الصعيد الدولي بشأن التحول الطاقي، وعملت على نشر الوعي بأهمية الانتقال إلى الطاقات المتجددة، وجذبت الأنظار إليها بخطواتها العملية التي اتخذتها في تحويل قطاع الكهرباء إلى الطاقات النظيفة، وساهمت مساهمة كبيرة في تحقيق نقلة نوعية في المجال التكنولوجي على صعيد الطاقات الخضراء، ولا سيما في ما يخص تقنيات توليد الكهرباء من طاقة الرياح، وأيضاً التقنيات الكهروضوئية المستخدمة في توليد الطاقة من طاقة الشمس.
لم يقتصر دور ألمانيا على العمل على المستوى المحلي، بل تعدّاه إلى مبادرتها في تأسيس وكالة الطاقة المتجدّدة الدولية IRENA، والتي كانت الخطوة الأبرز في نجاح ألمانيا في إعطاء فكرة التحول الطاقي بُعداً دولياً وثقلاً على الصعيد السياسي الدولي.
ختاماً، يبقى الدعم والتنسيق بين الدول حجر أساس في تحقيق هدف التحول الطاقي، والانتقال إلى الطاقة الخضراء بصورة كاملة، ولكن ذلك لا يعني أن تكتفي الدول العربية بدور المتلقي، بل علينا أن نتخذ خطوات جدّية على المستوى المحليّ، إلى جانب التنسيق والتعاون على مستوى المنطقة، ولا سيما مع الإمكانيات والتنوّع الكبير في مصادر الطاقات المتجددة في منطقتنا. ما الدور الذي يلعبه بلدك في عملية التحول إلى الطاقة النظيفة؟ وهل تجد أن لدعم الدول الأجنبية للاستثمارات في الطاقات البديلة تأثيراً إيجابياً أو سلبياً على منطقتنا على المدى البعيد؟ شاركنا رأيك في المصادرر